أضواء من الهدي النبوي
من آداب الكلام
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله ..
وبعد :فحديثنا اليوم عن آداب الكلام , ومما جاء في ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم "من حسن إسلام المرء تركه مالا يعنيه" أخرجه الترمذي رحمه الله تعالى من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما ([1]).
فهذه كلمات موجزة تشتمل على حكمة عظيمة , فالإنسان له من الأمور التي تعنيه مايكفي لشغل فكره وجهده ووقته , فلماذا يشغل نفسه بما لا يعنيه فيرتكب بسبب ذلك الوقوع في المخالفات , بسبب جهله فيما دخل فيه أو تجاوزه حدود الاعتدال فيه ؟!
فهذا الحديث يبين مسؤولية الإنسان , ويحدد فكره وجهده في حدود مسؤوليته , ويحميه من التدخل في شؤون غيره بما يضر ولاينفع .
ولقد عدَّ النبي صلى الله عليه وسلم حديث الإنسان بما لايعنيه سببا من أسباب الحرمان من دخول الجنة, كما جاء في حديث أخرجه الترمذي رحمه الله تعالى من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه قال: توفي رجل , فقال رجل آخر – ورسول الله صلى الله عليه وسلم يسمع - : أبشر بالجنة , فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "وما يدريك لعله تكلم بما لايعنيه أو بخل بما لايغنيه " ([2]).
ونظرًا لخطورة فلتات اللسان فإن النبي صلى الله عليه وسلم قد أوصانا بالإقلال من الكلام, حيث يقول:" لاتكثروا الكلام بغير ذكر الله , فإن كثرة الكلام بغير ذكر الله قسوة للقلب , وإن أبعد الناس من الله القاسي القلب " أخرجه الترمذي من حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما ([3]).
فهذه وصية من رسول الله صلى الله عليه وسلم بالإقلال من الكلام الدنيوي , ذلك لأن كثرة الكلام في أمور الدنيا وأحوال الناس تسبب قسوة القلوب , لأن القلوب إنما تلين بذكر الله تعالى كما قال جل وعلا
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]الَّذِينَ آمَنُواْ وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللّهِ أَلاَ بِذِكْرِ اللّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ) (الرعد : 28 )
وكما فال تعالى : (اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَاباً مُّتَشَابِهاً مَّثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَمَن يُضْلِلْ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ) (الزمر : 23 )
والذكر يكون باللسان والقلب , ويكون بالقلب فقط , ويكون باللسان فقط , فأما الذكر باللسان والقلب فهو أكمل أنواع الذكر , لأن صاحبه قد جمع بين عبادة الله تعالى بلسانه وقلبه, ويلي ذلك الذكر القلبي , وذلك بالتفكر والاعتبار , واستحضار عظمة الله تعالى في القلب , فأما الذكر باللسان فقط والقلب غافل فلا فائدة منه , لأنه يخلو من حضور القلب مع الله تعالى وتعظيمه وتذكر معاني الذكر الذي ينطق به اللسان .
ومما يبين خطورة الكلام ما أخرجه الشيخان ومالك والترمذي من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : "إن العبد ليتكلم بالكلمة من رضوان الله لايلقي لها بالا يرفعه الله بها في الجنة , وإن العبد ليتكلم بالكلمة من سخط الله لايلقي لها بالا يهوي بها في النار"([4]).
فهذه كلمة واحدة يرفع الله تعالى بها صاحبها في الجنة , وكلمة واحدة يهوي بها صاحبها في النار , فما أشد التناقض بين الكلمتين ! وما أبعد الفرق بين الجزاءين ! فالأولى في رضى الله تعالى , والأخرى في سخطه , فما أسعد من وفق إلى الأولى وفاز بجزائها ! وما أتعس من ارتكس بالأخرى وشقى بعقابها !
------------------------------------------
([1] ) سنن الترمذي رقم 2318 في الزهد باب رقم 11 .
([2] ) سنن الترمذي رقم 2317 في الزهد باب رقم 11 .
([3] ) سنن الترمذي رقم 2413 في الزهد باب رقم 62 .
([4] ) صحيح البخاري , كتاب الرقاق , باب حفظ اللسان , صحيح مسلم رقم 2988 في الزهد , باب التكلم بالكلمة.., موطأ مالك , كتاب الكلام , باب مايكره من الكلام 2/985 , سنن الترمذي رقم 2315 في الزهد باب فيمن تكلم بكلمة ليضحك بها .
منقول للأمانه